ليلٌ وفجرٌ وقمح
كلّما
انتظرتُ الفجر،
انهمر ليلٌ آخر؛
كأن البلادَ كتابةٌ لا تنتهي.
كأنّ الوطنُ
سؤالٌ في كتابٍ محترق.
مازلنا
نكبرُ على الأرصفة..
فلا وطنَ في الجيب سوى علبة كبريت.
والعدالةَ ماتزالُ كسيجارةٍ
تنطفئ بريح أول خطاب.
سوريا بعيدةٌ..
أقرب من وجهي في المرآة.
نحن الذين ننام على وسادة أخبار،
وننهض على كابوسٍ جديد.
مازلنا
نزرع القمح
كي يخرج رماد،
فكلّ موسم حصاد؛
يمرُّ فوقه صهيلٌ مكسور.
مازلتُ
أمشي خفيفاً،
وكأن الحياةَ
ظلّ لصورتي القديمة.
وكأنّ
البلاد حقيبةٌ بلا مقبض،
نحملها في قلوبنا فقط.
يا سوريا..
أيُّ شاعرٍ يكتبك سيجرح أصابعه،
ومن جرحه يكتب:
الوطنُ أنثى؛
تهجرنا إذا نسينا أن نحبّها.
هنا نكتب اسمكِ
على الماء،
فتأتينِ غزالةً من طين الحنين.
خمسٌ وخمسون عاماً،
ولازال الطريقُ إلى البيت أغنيةً ناقصة.
نربّي الوهم شجرةً؛
ومازلنا ننتظر ثماراً من غيمة.
وفي آخر الليل،
نسند الجدار ونسأل:
هل نامت البنادق؟!
فمازال
القمح يئنُّ في الحقول،
ومازال
الخبز جرحٌ على الطاولة.
ومازال علينا
أن نتذكّر المطر
كي لا يموت العشبُ في قلوبنا.
مازلنا
نكتب على التراب
كي لا ينسى المطر وجوهنا.
فكلّ طفلٍ يولد
يعيد ترتيب الجهات.
في القرى
حتى الصمتُ يشبه
جدّاتٍ ينسجن الشمس.
هناك كانت
الأمّ تخيط الليل على كتفيّ، فلا أبرد.
في فم الليل عواءٌ،
وفي يد النهار سكين.
ومازلنا نفتح النافذة
ليدخل التاريخ من شقوقها.
ماتزالُ
الكلماتُ إبراً دقيقة،
والقصيدة حقلُ قشّ لا ينتهي.
ومازلنا
نخيط المعنى بخيطِ خطيئةٍ قديمة.
مايزالُ
الصحفي الكاتب؛
آخر من يغادر المأساة،
كأمٍّ ثكلى تغادرُ المقبرة؛
يحمل الجريدة كقميصٍ من نار،
ويكتب الخبرَ
فيما يكتب الدمُ التعليق.