هذه البلاد.. … بقلم الاديب علي الراعي
سوا نيوز :
هذه البلاد
ليست أمّاً
وليست وردةً؛
فما زلنا نحيا كأيتامٍ فيها.
هذه البلادُ،
كأنها أمُّنا التي ماتتْ
قبل أن تنجبَنا،
نُحبُّها…
ونُحاكمها
في السرِّ.
هذه البلاد…
تأكلُ أولادها ببطءٍ
ثم تبكي أمام المرآة،
كأنها لم تكن الجانية.
هذه البلاد…
لا تشبه الأوطان
في كتب التربية الوطنية،
ولا في النشيد الصباحي،
إنها أشبه بكهفٍ
علّقنا على جدرانه أسماءنا
ورحلنا دون أن نُشعل النار.
هذه البلاد
بذورٌ طارت من يد الفلّاح،
ونبتت في يد القنّاص.
هذه البلاد…
جميلةٌ كأنها
طُبعت على ورقٍ أوروبي،
وميتة كأنها
طُبعت على ضميرٍ عربي.
هذه البلاد…
لا تستحقُّ غزاةً حمقى
ولا عشّاقاً أنقياء.
تستحقُّ من ينهار وهو يراها تُباع
ثم يضحك،
كمن رأى حلمه يُذبح،
ويصفّق للقاتل.
هذه البلاد…
المريبةُ حدَّ الخيانة
لا تستحقُّ صمتَ الغزاة؛
ربما تستحقُّ عدوّاً أفضل؛
يُجيد البكاءَ عليها، وهو يسرقها..
هذه البلادُ…
ليست لنا؛
نمشي فيها كأنّ الطريقَ لغيرِ القَدمْ،
نحملُها في الدفاترِ، في كفِّ أمٍّ،
وفي فطع الشاشِ فوقَ الجُرَحْ
ثم ندفنها،
كلَّ يومٍ،
بلا ملحٍ.
هذه البلادُ…
التي أطعمتْنا الهتاف،
فكبرنا ونحن نُجيدُ الصراخ،
ولا نعرفُ الحبَّ،
إلا إذا جاء في نشرات البصارات.
هذه البلادُ
التي اسمُها من ذهبْ،
ووجهُها من شظايا الخرافات،
تنامُ على سرجِ فرسٍ قديم،
وتحلمُ بالفتحِ
من غيرِ فارس.
هذه البلاد…
تركتني أصفّق وحدي في المسرح،
ثم اتهمتني بالتصفيق للسلطة.
هذه البلاد تعرفُ كلَّ شيءٍ
إلا كيف تحبّ أبناءها
دون استدعاءٍ أمني.
يا بلاداً تمرُّ علينا
كأنّ غزاةٍ يمرّون،
نراكِ ولا نعرفُ الاسمَ،
نشربُ ماءكِ،
وفي فمنا طعمُ نارٍ،
وحبلُ انتظارٍ
يطوِّقنا من بعيد.
هذه البلادُ…
تتدلّى من سقف الميثولوجيا
كتميمةٍ شرقية؛
نصفُها نبيٌّ،
ونصفُها قاطعُ طريق.
حين تفتح عينيك،
تراها:
أبجديةً مكسورةً
في فمِ الله.
هذه البلاد…
جميلةٌ؛
لكنها تعبت مثلي،
تُريدُ كوبَ شاي
وصوتاً يقول لها:
كلّ شيء سيكون بخير
ولو كذباً.
هذه البلاد…
كأنها امرأةٌ نسينا أن نحبّها،
ثم رأيناها في ثوب العرس
تتزوج قاتلنا،
فنصفقُ لها،
كأن الأمر لا يعنينا.
هذه البلاد…
طفلٌ يكتبُ على الجدران:
“أحبكِ يا بلادي”..
ثم تمسحه يدٌ بلونٍ لا يُغسل،
والطفلُ،
يعود في الغد
ويكتبها من جديد
بدم إصبعه.
هذه البلاد…
رأيتها في تقريرٍ
عن الكهرباء،
كان الظلامُ يملأ الشاشة،
وكان المذيع يقول:
“كلّ شيءٍ على ما يرام”.