شركات الذكاء الاصطناعي: اللاعب الجيوسياسي الجديد في عالم تُعاد صياغته
بقلم :د.عمار دلول
سوا نيوز :
يشهد العالم اليوم تحوّلًا جيوسياسيًا عميقًا تقوده التكنولوجيا، وفي مقدمتها الذكاء الاصطناعي. لم تعد القوة تُقاس فقط بالثروات الطبيعية أو القدرات العسكرية، بل بقدرة الدول على إنتاج الخوارزميات، والتحكم بسلاسل البيانات، وبناء النماذج الذكية التي أصبحت عصب الاقتصاد والأمن والتعليم والإدارة الحكومية.
وفي هذا السياق، تتقدم شركات الذكاء الاصطناعي لتصبح قوى جيوسياسية بحد ذاتها، تمتلك نفوذًا يتجاوز حدود الدول وقدراتها التقليدية.
فالذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد أداة تقنية، بل بنية تحتية استراتيجية تمنح من يمتلكها قوة تأثير قد تضاهي، بل تتفوّق على، أدوات النفوذ السياسي والاقتصادي القديمة. واليوم تتنافس القوى الكبرى ليس على الأراضي أو الممرات البحرية، بل على السيطرة على البيانات، وبناء منصات الذكاء الاصطناعي، وتحديد معايير التكنولوجيا العالمية.
شركات الذكاء الاصطناعي أصبحت تُعيد تشكيل موازين القوى الدولية عبر ثلاثة مسارات رئيسية:
أولًا: التحكم بالبيانات
من يمتلك أكبر قواعد بيانات يملك القدرة على صنع القرار والتنبؤ بالسلوكيات والأزمات، وهو ما يمنح الشركات سيطرة غير مسبوقة تتجاوز تأثير الحكومات.
ثانيًا: إنتاج الخوارزميات والمنصات
الخوارزمية اليوم هي سلاح جيوسياسي:
- توجه الأسواق،
- تؤثر بالرأي العام،
- تضبط حركة التجارة،
- وتحدد حتى اتجاهات التعليم والعمل والبحث العلمي.
شركات التكنولوجيا التي تطوّر هذه الخوارزميات لا تبيع خدمات فقط؛ إنها تُنتج قواعد اللعبة الجديدة للعالم.
ثالثًا: فرض المعايير العالمية
من يضع المعايير التقنية – للأمان، الخصوصية، الجودة، تبادل البيانات – يفرض سيادة غير مباشرة على الدول التي تضطر لاعتماد تلك المعايير.
وهنا تتحول الشركات إلى صانعة سياسات دولية، تقرر ما هو مسموح وما هو محظور في فضاء الذكاء الاصطناعي.
⸻
في ضوء هذه التحولات، لم تعد الدول وحدها هي اللاعب المحوري في النظام الدولي، بل ظهرت شركات الذكاء الاصطناعي كقوى جيوسياسية مستقلة.
فهي تمتلك موارد مالية تتجاوز ميزانيات بعض الدول، وتتحكم في بنى تحتية رقمية يستخدمها مليارات البشر، وتؤثر في التشريعات والقوانين، وتملك قدرة هائلة على توجيه سلوك المجتمعات، سواء في الاقتصاد أو السياسة أو الأمن.
أثرها الجيوسياسي يتجلى في:
- تعزيز النفوذ الاقتصادي للدول الداعمة لها،
- خلق تحالفات دولية مبنية على التكنولوجيا،
- إعادة توزيع الثروة والمعرفة عالميًا،
- التأثير في الاستقرار السياسي من خلال التحكم بالمنصات الرقمية،
- وفتح مجالات جديدة للصراع تقوم على السيطرة الرقمية بدل العسكرية.
لقد دخل العالم عصرًا تُقاس فيه القوة بـ البيانات والخوارزميات والبنى السحابية، لا بعدد الطائرات والدبابات.
والذكاء الاصطناعي أصبح التحدي الأكبر للدول الراغبة في الحفاظ على استقلالها وسيادتها وحضورها الدولي.
إن صعود شركات الذكاء الاصطناعي يطرح سؤالًا جوهريًا:
هل ستظل الدول الفاعل الرئيسي في العلاقات الدولية؟
أم أننا أمام مرحلة تتشارك فيها الشركات العملاقة مع الدول في صياغة ملامح النظام العالمي القادم؟
المؤكد أن من لا يمتلك منظومة وطنية قوية للذكاء الاصطناعي، أو لا يقيم شراكات استراتيجية مع الشركات الفاعلة في هذا المجال، سيجد نفسه خارج الجغرافيا السياسية للقرن الحادي والعشرين.
لقد تغيّر شكل العالم…
وأصبحت الخوارزمية هي الحدود الجديدة للقوة والنفوذ.