هل ضاعت قوة التشغيل ..؟!
/سامي عيسى /
لنعد إلى سنوات ” ماقبل الحرب على سورية”، وتأثيراتها السلبية على مكونات المجتمع بكل مفرداته، وخاصة العنصر البشري، وتحديداً ” العمالة المشغلة لقوة الإنتاج” فإننا نجد قصصاً تٌحكى، وروايات تسجل مواقف كثيرة عنها، تقارب فيها بعض جوانب الواقع، الذي كانت تعيشه هذه القوة، من ضعف المردود المادي، وصولاً لظاهرة البطالة التي تعددت أسبابها، وكثرت مشاكلها، واختلف في تحديد هويتها وأسبابها، أهل الاقتصاد والتشغيل..!
منهم من رآها في تكريس الحالة الاجتماعية، وسياسة الاستيعاب لليد العاملة، الوافدة الى سوق العمل لعقود مضت، وهذه أغلبها في القطاعات الحكومية، بمسميات مختلفة، منها “مقنعة وضرورات المصلحة العامة وغيرها كثير..” وفي حقيقة الأمر كلها بطالة مهما اختلفت تسمياتها، وهذا يمكن تسميته توصيف، لكنه مغلف ببعض الاتهام للسياسات الاقتصادية السابقة للحكومات المتعاقبة، وفشلها بإيجاد الحلول لقوة العمل المتعاظمة حينها, فمنهم من رآها في أسباب الركود والانكماش الاقتصادي، نتيجة الأزمات المتكررة وآخرها العقوبات الاقتصادية والحرب الكونية على سورية, والتي بدورها أدت لهروب الرساميل المحلية إلى خارج سورية, وإغلاق مئات آلاف المنشات الصناعية والاقتصادية، والورش الصغيرة التي كانت تستوعب مساحة كبيرة من قوة التشغيل, وخروجها من ميدان الانتاج ..!
الأمر شكل معضلة ضاغطة عل الحكومات وأصحاب القرار الاقتصادي, وخاصة في ظل ظروف الأزمة الحالية, وتراجع إيرادات الخزينة والقوة الشرائية للمواطنين على السواء، وعدم القدرة على توفير مصادر مولدة لفرص العمل، خلافاً لما كانت عليه قبل سنوات الأزمة، لأن وجودها مبرراً بجوهر الحالة الاجتماعية والاقتصادية المرافقة للنهج الاقتصادي، الذي يرسمه أهل القرار، وتنفذه الحكومات ضمن آلية تحفظ التوازن الاجتماعي والاقتصادي، الى جانب تحقيق قوة الانتاج المتصاعدة التي تحمل كل تبعات ماذكرت ..
علماً أن تلك السياسات لم تكن تخلو من بعض ظواهر المعالجة للعمالة الفائضة في حينها، وخاصة في مواقع الانتاج الفعلية، وعدم تحميلها إلى الكلف الإنتاجية الفعلية ,وإجراء عملية ترشيد لها، واستغلال الممكن منها، في الشركات الأخرى, ونقل فائضها إلى الجهات الأخرى وذلك حسب الحاجة لها ..!
لكن هذه المعالجة كانت في معظم الاحيان فردية، وحدودها ضيقة ولا تخرج عن نطاق جغرافيتها, لذلك كانت بحاجة لمنظور استراتيجي واضح، يحمل الفكر المناسب والحل الأمثل، وقبلها هوية التشغيل المعتمدة التي فقدنا بوصلتها، بفعل الأحداث وبصورة متسارعة، بتنا فيها نحلم بعودة أحاديث العمالة الفائضة، الى ميدان الاجتماعات، وبعمالة وافرة تغزو طلباتها التشغيلية مكاتب الوزارات والمؤسسات والشركات الانتاجية…!
هذه الأحلام وغيرها تحطمت على صخرة ” الأزمة الحالية” وما حملته من تدمير للمكون التشغيلي لقوة الانتاج السوري، وهروب العمالة الخبيرة، وأهل الكفاءات المتبقية من الميدان، تحت ضغط تراجع مستوى الأجور والمعيشة المرتفعة، وغيرها كثير من الأسباب التي أدت افراغ القطاع الانتاجي “وخاصة الحكومي ” من مكون التشغيل، والبدء برحلة البحث عن العمالة النوعية والمتخصصة في مكونات الانتاج الرئيسية، وما يثير القلق أن معظم الشركات الحالية تعاني من نقص العمالة على خطوط الانتاج..!
هذا الواقع يثير الكثير من الأسئلة، وإشارات الاستفهام حول السياسات الاقتصادية التي لم تستطع الحفاظ على مكونها التشغيلي، الذي يشكل العمود الفقري لقوة الاقتصاد الوطني، ومنعه من الانحدار، باتجاه حالة الافلاس في تأمين الحد الأدنى من قوة التشغيل، والتي باتت معضلة حقيقية في مواقع الانتاج الفعلية، ومن يريد التأكد عليه بمعاينة العمالة الانتاجية في الشركات، والتي تراجعت بنسب كبيرة، قياساً لما هو مطلوب..؟!
وبالتالي هذا الواقع يحتاج لمعالجة فورية، لا تحتمل المراهنة على الظروف والامكانات، بقدر ما تحتاج لبيئة مولدة لفرص التشغيل التي تحمل فكر استيعابي، يمكن من خلاله توفير ” قوة التشغيل” المطلوبة لقيادة المرحلة المقبلة، والقادرة على مجاراة تطورات القادم من الأيام..
فهل تفعلها الحكومة القادمة، وتؤمن قوة التشغيل التي نعتمد عليها في بناء الحالة الاقتصادية المطلوبة، والهادفة في كل مكوناتها تحسين مستوى معيشة أفضل، وقوة اقتصاد تحميها من عواصف التغيير وتقلبات الأسوق..
هذا بعض ما نتمناه من الحكومة القادمة، ونحن بانتظار قادمات أيام الحكومة وترجمة ما نتمناه..
طريقك الصحيح نحو الحقيقة