صناعة الإسمنت: كيف تتحول من عبء بيئي إلى محرك للاقتصاد الدائري؟.. النموذج الأوروبي يجمع بين “الترهيب والترغيب”

سوا نيوز : وفاء فرج-

أكدت الدكتورة المهندسة الاستشارية بيداء سلوم، الأستاذة في الجامعة الوطنية الخاصة بحماة، أن قطاع صناعة الإسمنت يمتلك القدرة على التحول من مستهلك للطاقة وعبء بيئي إلى صناعة صديقة للبيئة ومحرك للاقتصاد الدائري، داعيةً إلى تبني النموذج الأوروبي القائم على التشريع الحازم والحوافز الذكية.

جاء ذلك في عرض قدمته الدكتورة سلوم ضمن فعاليات مؤتمر ومعرض الإسمنت والمجبول البيتوني في مدينة المعارض بدمشق، حيث حللت المسار الذي يمكن أن يحول هذا القطاع إلى شريان اقتصادي مستدام.

المرحلة الأولى: التشريع الحازم لمواجهة التلوث

أوضحت سلوم أن التجربة الأوروبية اعتمدت على ركيزة “التشريع الحازم” في مرحلتها الأولى، حيث فُرضت ضوابط قانونية وإجراءات رقابية صارمة، رافقتها ضرائب بيئية عالية على الانبعاثات الملوثة.

وأشارت إلى أن هذه الإجراءات كانت استجابة لأزمات بيئية تاريخية، مثل ظاهرة “المطر الحمضي”، مما أجبر الصناعة على تبني تقنيات وأنظمة تنظيف للغازات لخفض بصمتها الكربونية والملوثة.

المرحلة الثانية: البحث العلمي يفتح آفاق الاقتصاد الدائري

أشارت الدكتورة سلوم إلى أن المرحلة الثانية والأكثر تطوراً تمثلت في الانتقال من موقع المنفذ للإجراءات الإلزامية إلى موقع المبتكر والمستفيد، عبر الاستثمار في البحث والتطوير.

وأوضحت أن هذا التحول مكن الصناعة من “استقبال النفايات” وتحويلها إلى بدائل للطاقة والمواد الخام، مستفيدةً من قيمتها الحرارية لتحل محل الوقود الأحفوري التقليدي، مما جعل صناعة الإسمنت “مدوراً كبيراً للنفايات ويكسب المال”.

صناعة مزدوجة الفائدة

أكدت سلوم أن هذا التحول لم يقتصر على تحقيق أرباح إضافية، بل حول الصناعة إلى شريك أساسي في حل أزمة النفايات، حيث أصبحت منشأة متكاملة لـ “التدوير الحراري” والتخلص الآمن من المخلفات، مما يخفف العبء عن المكبات الصحية ويقلل من انبعاثات الميثان.

وخلصت الدكتورة سلوم إلى أن التحول البيئي الناجح يتطلب الجمع بين “عصا” التشريعات الرادعة و”جزرة” الحوافز الاقتصادية والفرص الجديدة، داعيةً إلى “وضع التشريع البيئي حاضراً بقوة” للاستفادة من هذه التجارب الدولية وتحويل صناعة الإسمنت إلى ركيزة في منظومة الاقتصاد الدائري.

خطة تنمية قطاع الإسمنت: سورية تستورد 5 ملايين طن سنوياً وتتجه لتأهيل المصانع الجديدة بمعايير الاستدامة

كشفت المهندسة نبيلة علي، رئيسة دائرة التخطيط بمديريات المناطق الصناعية في محافظة طرطوس، عن وجود فجوة كبيرة في سوق الإسمنت المحلي تقدر بحوالي 5 ملايين طن سنوياً، يتم استيرادها حالياً من خارج البلاد.

وأكدت المهندسة علي، خلال عرض قدمته في مؤتمر ومعرض صناعة الإسمنت والمجبول البيتوني بدمشق، أن الإنتاج المحلي الحالي يبلغ حوالي 4 ملايين طن سنوياً، بينما تصل الحاجة الفعلية للسوق إلى حوالي 9 ملايين طن.

تأهيل المصانع والالتزام باتفاقية باريس

وأوضحت أن خطة التنمية تتجه نحو سد هذه الفجوة من خلال تأهيل المصانع القائمة، والاتجاه نحو إشادة مصانع إسمنت جديدة تكون ذات كفاءة عالية ومطابقة للمعايير العالمية فيما يخص الاستدامة.

وشددت على أن موضوع الاستدامة البيئية “لم يعد خياراً أو موضوعاً رفاهياً”، بل أصبح “إلزاماً” كون سورية جزءاً من اتفاقية باريس للمناخ، مشيرة إلى أن سورية قد تحتاج في مراحل لاحقة من الإعمار إلى حوالي 20 مليون طن سنوياً.

الشفافية والكلفة البيئية

وأشارت المهندسة علي إلى أن الرؤية الحالية ترتكز على “الشفافية” كأساس لجذب المستثمرين، من خلال “إعطاء القيمة الحقيقية والكلفة الحقيقية للطن الإسمنتي”، مع الأخذ بعين الاعتبار امتلاك سورية للمواد الأولية والموانئ للتصدير.

وأبرزت المهندسة علي مفهوماً جديداً في سياسة الاستثمار وهو “احتساب الكلفة البيئية” للطن الإسمنتي، والتي تشمل الأضرار البيئية واستنزاف الموارد والتأثير على التنوع الحيوي وكفاءة الطاقة، مؤكدة أن هذه الكلفة يمكن تقييمها بقيمة نقدية مالية.

وختمت بالتأكيد على أن “كلفة البيئة هي استثمار” بحد ذاته، وأن الالتزام بالمعايير البيئية يمهد الطريق للحصول على “تمويل أخضر” من المنظمات العالمية التي تدعم هذه المشاريع في سورية.

آخر الأخبار