الدكتورة بثينة شعبان: نعمل على حفظ تاريخنا وذاكرتنا وهويتنا الوطنية
سوا نيوز : وفاء فرج
ألقت المستشارة الخاصة في رئاسة الجمهورية العربية السورية، الأستاذة الدكتورة بثينة شعبان، كلمة هامة خلال افتتاح فعاليات “المؤتمر الدولي للتأريخ الشفوي” في العاصمة العمانية مسقط، صباح هذا اليوم الإثنين.
واستهلت الدكتورة بثينة شعبان كلمتها بالترحيب بالحضور الذين يشاركون في هذه الفعالية التي تُنظّم بالتعاون بين “هيئة الوثائق والمحفوظات في سلطنة عُمان”، ومؤسسة “وثيقة وطن” في الجمهورية العربية السورية، تحت عنوان “المؤتمر الدولي للتأريخ الشفوي: المفهوم والتجربة عربيًّا”.
ونوهت الدكتورة شعبان إلى مشاركة #سورية بوفد يضم باحثين ومعنيين من وزارة الثقافة وجامعة دمشق و #الأمانةالسوريةللتنمية ووزارة الإعلام، في تعبير واضح عن اهتمام سورية بهذا المؤتمر، وبالآفاق المستقبلية التي يمكن أن يشكل نقطة انطلاق لها.
ولفتت إلى أهمية موضوع المؤتمر لجهة حفظ الذاكرة الحية التي تشكل جزءاً من الهوية التاريخية والثقافية لشعوبنا، كما لجهة توثيق الأحداث والوقائع.
وقدَّمت الدكتورة شعبان عرضاً تاريخيًا لمسيرة التأريخ الشفوي، الذي لقي اهتمامًا لافتًا في أوروبا منذ حقبة الحرب العالمية الثانية، خصوصا في بريطانيا وألمانيا، ثم الولايات المتحدة الأميركية، ليتحول إلى عمل مؤسساتي من خلال الجهود التي أطلقتها جامعتي كولومبيا وشيكاغو، ثم تزايد الاهتمام الاكاديمي العالمي بهذا الموضوع، وصولًا إلى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، حيث بلغ عدد مراكز التاريخ الشفوي في العالم 1000 مركز.
كما لفتت الدكتورة بثينة شعبان إلى الدور العماني الرائد في هذا المجال عربيّا، وذلك من خلال تأسيس “دائرة التوثيق الشفوي” في العام 2007.
واعتبرت أن المنطقة العربية لم تختبر بعد العمل المؤسساتي في هذا الميدان، رغم ما يستدعيه من بحث في الخصوصيات المجتمعية وما يترتب عليها من تكيفات منهجية ومعرفية.
وأشارت الدكتورة شعبان إلى تأكيد القرآن الكريم على أهمية تسجيل مجريات الأعمال الإنسانية، واستشهدت بعدد من الآيات الكريمة التي تحض على ذلك.
وأكدت المستشارة الرئاسية ورئيسة مجلس أمناء مؤسسة “وثيقة وطن”، أن ما شهدناه في العقد الأخير خصوصاً، من تدمير ممنهج للهوية والتراث والثقافة والذاكرة الوطنية في العديد من البلدان العربية، يستوجب دعوة عاجلة لتأكيد حرص هذه البلدان على حفظ وتوثيق وحماية تراثها وذاكرتها الوطنية، وأن فكرة “وثيقة وطن” انطلقت من هذه الضرورة وهذا الحرص في العام 2016، كمسعى مؤسساتي منهجي ومعرفي معني بالتأريخ الشفوي للذاكرة السورية وتراثها الثقافي العريق، بكل ما يحمله ذلك من مسؤوليات كبيرة يفرضها ميدان عمل التأريخ الشفوي، ومن مساهمة أساسية في إعادة إنتاج المعرفة بخصوص الماضي وعلاقته بالحاضر والمستقبل.
وأكدت الدكتورة شعبان على الدور الذي تصدت له “وثيقة وطن” في نشر هذه الثقافة وتمكينها مجتمعياً، باعتباره أولوية لدى المؤسسة. وأشارت إلى العمل المنهجي الذي تقوم به المؤسسة لجهة العناية بعلمية ومنهجية التأهيل والتدريب وبناء القدرات والمهارات اللازمة للباحثين في هذا المجال، بغية إعداد فرق عمل احترافية بما يتناسب مع حجم مشاريع المؤسسة وأنواعها، وتفعيل دورها المجتمعي في تأهيل الموارد البشرية وإثراء رأس المال الفكري، كمساهمة من المؤسسة في رفد العملية التنموية.
ولفتت الدكتورة شعبان إلى السباق الذي خاضته “وثيقة وطن” مع الزمن، ومع الأحداث الكبيرة المتلاحقة خلال الحرب الإرهابية التي استهدفت المؤسسات والذاكرة والهوية الوطنية والعيش المشترك في سورية.
وأشارت إلى إجراء فريق المؤسسة أكثر من 1200 مقابلة لتسجيل شهادات الناس الذين عايشوا هذه الأحداث الخطيرة واختبروها على امتداد مساحة البلاد.
وكذلك لفتت الدكتورة شعبان إلى بدء “وثيقة وطن” بمشاريع تؤرخ لدور المرأة في زمن الحرب، وكذلك دور الفن في الصمود. وأيضا تأريخ “المونة السورية” وتدوين الحرف اليدوية، والتي تعد من العناوين المهمة للهوية التاريخية السورية.
وأشارت الدكتورة بثينة شعبان إلى أهمية مشروع “هذه حكايتي” الذي بدأت به المؤسسة وخصصت له جوائز قيمة، وهو يُعنى بكتابة السوريين لقصصهم الخاصة في زمن الحرب. ونوهت إلى المفاجأة التي توصل لها هذا المشروع، حيث كشف عن أبطال مجهولين وضعوا أرواحهم على أكفهم من أجل حماية مؤسسة أو إنقاذ سجلات وطنية هامة، أو حماية معمل حيوي، من خلال أعمال وطرق بطولية اخترعوها لهذا الهدف.
ولفتت الدكتورة شعبان إلى ما أكدته خلاصة هذه التجارب الشخصية، لجهة وجود بون شاسع بين ما كتبه الإعلام الغربي المضلل ، وما أكدته تلك التجارب الواقعية الشخصية، وهذا يؤكد على ضرورة وجود هذا المنهج من التأريخ، لتقديم مادة صادقة تبيّن حقيقة ما جرى في أوطاننا.
وأكدت رئيسة مجلس أمناء “وثيقة وطن” على أهمية التواصل والانفتاح على التجارب المتنوعة في الداخل والخارج، بهدف تبادل الخبرات والتعاون للحفاظ على التراث الثقافي والتاريخ وتعزيز الروابط الإنسانية. ومن هنا جاء اللقاء بين “هيئة الوثائق والمحفوظات” في سلطنة عمان، ومؤسسة “وثيقة وطن” في سورية في العام 2021، وتوقيع مذكرة التفاهم بينهما في دمشق في العام 2023. وذلك لبحث وتعزيز التجربة العربية في هذا المجال، وتطويرها.
اعتبرت الدكتورة شعبان أن هذا المؤتمر، يعكس تلاقي الطموحات لصياغة مبادرة عربية تشاركية تسهم في التأسيس لمقاربة عربية في التأريخ الشفوي، وتستجيب للاحتياجات والتحديات، أمام ما تشهده المنطقة العربية والعالم. وهو ما يضع الجميع أمام مسؤوليات كبيرة وملحة في صون وحفظ وتوثيق تاريخنا بأيدينا وأدواتنا، ومن منظور هويتنا وتراثنا. وأشارت الدكتورة شعبان هنا، إلى المثال والعبرة التي نواجهها جميعا من خلال ما تشهده فلسطين المحتلة وأهلها من محاولات محو وإبادة شاملة يقوم بها الإحتلال الإسرائيلي، الذي يستهدف كل ما هو باق، فهو يستهدف الشعب والذاكرة والتاريخ، وهذا استهداف لا يخص فلسطين وحدها، بل الوطن العربي بأكمله وبتاريخه وذاكرته، لأن الذاكرة العربية متداخلة ومتكاملة في هذا الوطن.
وأكدت الدكتورة شعبان في ختام كلمتها، أن الوعي بضرورة التوثيق بكوادر وطنية ولأهداف وطنية، لا يعني الاستغناء عن التجارب العلمية العالمية، التي كان لها دور في تطوير مقاربة التأريخ الشفوي. وأشارت إلى مشاركة التجارب الصينية والروسية والإيرانية في هذا المؤتمر، وأكدت على ضرورة تعميق الحوار مع هؤلاء لتطوير التجربة العربية علمياً ومنهجياً.
وعبَّرت الدكتورة بثينة شعبان عن الشكر والامتنان لهيئة الوثائق العمانية، وعلى رأسها الدكتور حمد بن محمد الضوياني، وكل الجهات الرسمية العمانية التي ساهمت في دعم وتنظيم هذا المؤتمر، وفي مقدمتهم جلالة السلطان هيثم بن طارق.